خارطة الطريق إلى الهاوية: مشهد الانقلاب الأممي وتصفية الجمهورية

يدار المشهد بإحكام لإعادة إنتاج الانقلاب في ثوبٍ أمميّ، وتصفية ما تبقى من مؤسسات الجمهورية تحت شعار التسوية والسلام.

لا يزال الوضع في اليمن يتدهور على جميع الأصعدة؛ فاليمن، أرضًا وشعبًا، بات مصيره مختطفًا. تُرتكب في حقّه جرائم إبادة متعددة الأوجه وسط تواطؤ محليّ ودوليّ. إصرار السعودية ومعها المبعوث الأممي على إنضاج الجريمة السياسية المسماة “خارطة الطريق”، لا يمكن تفسيره إلا في سياق تدميري يستهدف اليمن، مؤسساتٍ دستوريةً وجيشًا.

المشهد الذي يُدفع لإخراجه يفرض على الشعب تقبّل مجلسٍ رئاسيّ جديد، تركيبته السياسية تفضي إلى تمثيلٍ للحوثي وشركائه في إسقاط صنعاء بالنصف زائد واحد، فيما يستحوذ الانتقالي على ثلثي الحصة المتبقية، وما تبقى يُمنح للشرعية بجميع مكوّناتها السياسية. بعد كل هذه السنوات من الحروب والدمار والتضحيات، نجد أنفسنا أمام مشهد يعيد مليشيات الحوثي إلى كرسي الحكم مع شركائها. تلك التركيبة وذلك المشهد يمثلان اغتيالًا للنظام الجمهوري، بل للجمهورية ودستورها.

ما يجب إدراكه أن كل ذلك يتم لهدفٍ واحدٍ يدركه الجميع، لكنهم يدفنون رؤوسهم في الرمال بدلًا من قول الحقيقة ومواجهة المؤامرة. فمنذ نهايات 2017 وحتى اليوم، يُستهدف تفكيك الجيش الوطني وإقصاء القوى السياسية، وفي مقدمتها التجمع اليمني للإصلاح. منذ إجبار الجيش على التوقف عند تخوم صنعاء، والمعركة تُدار ضد الجيش الوطني والأحزاب الوطنية.

الطريق لإسقاط الرئيس هادي ونائبه كان مدروسًا بدقة، للوصول إلى الهدف المنشود الذي يُعدّ لإخراج مشهده الأخير إلى العلن. الأمر ليس تحليلًا أو استنباطًا، بل معلومات دقيقة. حالة الشلل التي تعانيها مؤسسات الدولة — رئاسةً وحكومةً وبرلمانًا — تأتي في سياق سيناريو معدّ بإحكام. قد تكون الأحداث الإقليمية قد أخّرت إنزال المشهد الأخير، لكنها أيضًا هيّأت فرصًا للشرعية كان يمكن استغلالها لإنهاء هذا الكابوس، غير أن تلك الفرص أُهدرت عمدًا، وبذلت جهود سياسية وعسكرية لإضاعتها.

اليوم، ومع كل المنعطفات والمتغيرات الإقليمية والدولية، نترقّب رفع الستار عن آخر المشاهد الكارثية لوأد الشرعية بكل مؤسساتها وقواها السياسية. تدرك القوى الإقليمية، وفي مقدمتها التحالف العربي بقطبيه السعودية والإمارات، أن التهيئة لذلك تتطلب دفع الشعب إلى مرحلة انعدام الثقة الكلية بالشرعية، وإيصال الجيش إلى أقصى درجات الإحباط، عبر استمرار الحرب الاقتصادية التي تُشن على الشعب والجيش معًا.

انقطاع الرواتب لقرابة نصف عام ليس حدثًا اعتباطيًا، بل جزء من سياق ممنهج ومدروس. لا توجد قيادة دولة عاقلة، حتى وإن كانت غارقة في الفساد، تعمل على تفكيك جيشها بالصورة التي يتعرّض لها الجيش اليمني اليوم. إنّ الدور الذي تؤديه مؤسسة الرئاسة ممثلةً بمجلس القيادة الرئاسي لا يتجاوز الدور الوظيفي المناط بها؛ ليبقى الواقع الذي يتهرّب الكثير من الاعتراف به أن رئاسة الجمهورية اليمنية كمؤسسة دستورية معطّلة منذ ثلاثة أعوام، ولا دور وطني لها. وما نشهده اليوم لا يتجاوز كونه فريقًا من الكومبارس في مشهدٍ افتراضي لا يمتّ لليمن بصلة.

وإذا أخذنا هذا المشهد بكل تعقيداته وإحباطاته، فإننا أمام خيارين:

  • الأول : الاستسلام لهذا الواقع، كما هو الحال الذي نعيشه ويُذعن له الجميع — أحزابًا سياسيةً، وقوى وطنيةً، ومكوّناتٍ فاعلة.
  • الثاني : التحرك لمقاومة هذا المشهد ورفض إسقاطه الأخير، بما يمثّله من مخاطر على وأد الشرعية ومكوّناتها إلى مثواها الأخير.

والمقاومة هنا يجب أن تُفهم من منطلق الواجب الوطني المقدّس، وفاءً لكل التضحيات التي قدّمها الشعب اليمني من شهداء وجرحى. إنّ المواجهة اليوم هي دفاعٌ عن الوجود؛ والوجود هنا لم يعد محصورًا بمؤسسات الدولة الشرعية فحسب، بل أصبح تحديًا يحدد وجودية كل فردٍ مواطنٍ حرّ. إما أن يرضخ لحياة الاستعباد والإذلال التي رفضها طيلة عشر سنواتٍ من الحرب، أو يتمسّك بإرادة الحرية ويرفض العبودية ويخوض المعركة حتى النهاية.

لا خيار أمامنا سوى خوض المعركة حتى النهاية، مهما كانت التعقيدات، ومهما كان حجم المؤامرة، ومهما كانت الظروف صعبة. يكمن سرّ انتصارنا وهزيمة خصومنا في إرادتنا الصلبة وتحركنا الفوري لرفض كل أشكال خرائط المؤامرات. خرجنا من أجل ترتيب صفوفنا والعودة إلى تحرير صنعاء واستعادة الدولة؛ ولم نخرج فرارًا من العبودية لنعود إليها بعباءة الأشقاء وثوب الزيف.

أمام هذا الخطر الداهم، يقتضي الواجب الوطني أن تتوحد القوى الحيّة في البلاد — أحزابًا سياسيةً، ومؤسساتٍ عسكريةً، ومجتمعاتٍ قبليةً ومدنيةً — وتقف صفًا واحدًا لصدّ محاولات تفكيك الدولة وطيّ صفحة الجمهورية. مواجهة المخططات التي تسعى لتحويل اليمن إلى ساحة لتقاسم المصالح الإقليمية تتطلّب شجاعة سياسية ووضوح موقف لا لبس فيه: رفضٌ قاطع لكل خارطة تُسلب الشعب حقّه في تقرير مصيره، ورفضٌ مؤكد لكل صيغة تُفرّغ السيادة الوطنية من مضمونها.

نؤكد: الاستعداد للحوار أو التفاهم لا يمكن أن يكون على حساب وحدة وسيادة اليمن، أو على حساب دماء الشهداء وتضحيات الجرحى. الزمن لم يعد يحتمل تضييع الفرص؛ فالصبر والتأجيل هنا كلفتهما سقوط الدولة. والتاريخ سيحاسب من اختار السكوت حين كان الكلام مقاومةً للبقاء.

بقلم: سيف الحاضري

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *